سياسة
“العساس” مهنة القرن الحادي والعشرين بمواصفات القرون الوسطى
تعد حراسة المنشأت والممتلكات الخاصة بما فيها الفيلات والإقامات السكنية في مدينة طنجة والمغرب عموما، من بين المهن التي لم تصلها قوانين المشرعين بعد رغم طرح عدة أسئلة داخل قبة البرلمان تخص هذا القطاع ،التي لم تستطيع الدولة هيكلته ويصبح مزاوليها يشتغلون في إطار من الحقوق والواجبات، كما هو الشأن بالنسبة للمهن الأخرى. فرغم أنها تشكل المصدر الأساسي الذي تعيش منه الكثير من العائلات، فإن أجرة العاملين في حراسة الفيلات والعمارات الشاهقة تتراوح ما بين1200درهم و 2500 شهريا، مقابل العمل 24/24 ساعة وطيلة أيام الأسبوع، وحتى في الأعياد.
أجورهم متدنية بلا تغطية صحية ولا ضمان اجتماعي وحياتهم في خطر
العربي وهو(عساس)لأحد الفيلات بخليج طنجة منذ أربع سنوات، وعمره لا يتجاوز26 سنة يتقاضى مبلغ 2000درهم في الشهر منحدر من ضواحي وزان،فهو شاب ذو بنية قوية يشعل الشجارة كلما تغلغلت معه في تفاصيل الحياة والزواج والمستقبل، شاب يدخن بين الفينة والأخرى بل أكثر من ذالك أصبح مدمنا على”الجوانات” .
قصد”العربي” مدينة طنجة من أجل البحث عن العمل، لتوفير قوت أسرته التي يعتبر المعيل الوحيد لها،فبعد الوصول لطنجة”الكبرى”،بدأ يتجول وينتقل من حي إلى آخر،من أجل إيجاد فرصة عمل،لينتهي به المطاف في حي “فيلا فيستا”كعساس لأحد الفيلات،حيث كلفه صاحب الفيلا بفتح الباب من أجل الدخول بسيارته، والاهتمام بالبستنة التي تعتبر المتنفس الطبيعي له، وكذالك(السخرة) من البقال إذا اقتضت الضرورة، لكن مع توالي الأيام أصبح مكلف بإعداد الوجبات الغذائية نهاية بالنظافة مقابل دراهم معدودة،لا تكفيه حتى في التدخين.
ويؤكد هذا الحارس أنه كلما غادر الفيلا لحاجة إلا رن عليه الهاتف”ألو فين نتا،أجي داغيا ما تعطلش”، مثل هؤلاء الشباب ينظرون إلى حياتهم نظرة الشؤم والعار،نظرة “طنجة الحفرا” لما تلحق بهم هذه المهنة من أضرار نفسية، دون رحمة أو شفقة وخارج القانون، فهو بالنسبة له ليس لديه إجازة صيفية ولا تغطية صحية سوى مبلغ2000 كتعويض عن العمل وبيت صغير تسكن بجواره فئران،قطط وكلب،الكل يواسيه الهموم، مع الإعفاء من مصاريف الماء والكهرباء،مقابل العمل 24ساعة/24 ساعة طيلة أيام الأسبوع.
مبارك قصة لاتنتهي
(عندي الريح)،بهذه العبارة استقبل مبارك(شمالي)وعيناه محمرتان بعد20 سنة من العمل، كحارس للفيلات بمنطقة خليج طنجة وفي نفس الوقت بستاني،وهو رجل تجاوز سن الخمسين وأب لأسرة ،متكونة من 6 أفراد، يكتري مسكن صغير بطنجة البالية مقابل 1000 درهم،حيث التحق بهذه المهنة منذ أن وطأت رجلاه مدينة عروس الشمال، طمعا في بناء مستقبل أولاده،الذين عانوا الكثير في أحد (البراريك) بهذه المنطقة حسب قوله،إذ يقول متى أراد (البطرون) تسريحه من العمل، لا يجد حرجا في اتخاذ القرار الغير المناسب،يسلمه المبلغ عند نهاية الشهر،تم يطرده دون أية تعويض رغم طول المدة التي قضاها في خدمته، كما فعله أحد مشغليه في أحد الأيام حينما رفض دفع مبلغ شهرين من العمل مع الطرد دون سابق إنذار.
مبارك حاول الجمع ما بين الحراسة والبستنة،من أجل توفير احتياجات أسرته، حيث كان يستغل سفر مشغله، من خلال البحث عن مصدر آخر(البستنة) في الفيلات القريبة من مكان عمله، لتوفير المزيد من المال حفاظا على كرامة أسرته،المبلغ التي كان مبارك يأخذه في التسعينات حسب قوله كان يحقق له الاكتفاء الذاتي، لكن الآن ومع توالي الأيام وارتفاع تكاليف المعيشة،لا يكفيه إلا للكراء،مِؤكدا أنه عانى الكثير في أيام المناسبات والأفراح والأعيد ،حيث كان أحيانا يلجأ إلى صناديق الأزبال من أجل البحث عن متلاشيات ثم يعيد بيعها في سوق “كسبرطا” وسط مدينة طنجة مقابل دراهم معدودة، لينتهي به الزمان في ضلال الضائعين،لكنه استطاع أن ينجب أولاد أنقذوه من دار العجزة في حياة مظلمة تاركة ورائها قصص وعبر للآخرين.
قصص عديدة ومؤثرة تعود في مجملها إلى العبودية و”تزيير السمطة على العساس”،منها ما هو يعود إلى العصور الوسطى.
الغزاوي عشر سنوات بعشر مهن
الغزاوي مواطن من قبيلة غزاوة بإقليم شفشاون قدم إلى مدينة طنجة أواخر الثمانينيات من القرن الماضي،لا زال إلى حد الساعة حارس لأحد العمارات وسط مدينة طنجة،فهو بالنسبة له تغيرت مدينة طنجة كتغير الليل والنهار،يتقاضى حاليا مبلغ 1800 درهم،مكلف بحراسة العمارة باستمرار كما يعمل على مراقبة المصعد،لكنه لا يتوفر على الضمان الاجتماعي ولا تغطية صحية تظهر على وجهه بعض علامات التحسر بعدما توفيت زوجته بسبب مرض السكري،مارس التجارة والفلاحة والخياطة والتهريب والمداومة والحراسة والتسوق كلها كانت أعمال حرة،لكنه يقول بحسرة فقدت الزوجة التي كانت الأم الحنونة تطلب مني الصبر والتعامل مع الجيران وصلة الرحم والعطف على الأولاد،والقناعة غير أنه بعد وفاتها عادت به الحياة إلى الصفر وغطى الشيب رأسه وقل سمعه وبصره لكنه لا زال محبوبا من عند”الباطرون”والجيران.