مقالات الرأي
ذ . بوشتى بوكزول..الدرس التركي
لقد أثبتت المحاولة الانقلابية البائسة في تركيا المجيدة حقائق كبرى في استلهامها شكلا ومضمونا ، وجب على الشعوب العربية خصوصا الوقوف عندها مليا لحماية خيارها وإرادتها وتقرير مصيرها .
طبيعي أن توجد فئات مناوئة لكل التجارب الديموقراطية تسعى إلى تقويضها وهدمها وزرع فلول الفتنة في طريقها لحماية مصالحها وامتيازاتها التي راكمتها لسنين خلت على حساب استضعاف الناس ونهب مقدراتهم واستغلال كل أشكال السلطة والاستبداد في تركيع كل القوى الحية التي تناهض التحكم في مقدرات المواطنين وتمارس كل الوسائل في تحقيق ذلك إلا سبيل الديموقراطية وإقرار الحريات ، لأن ذلك يتعارض مع طبيعة منهج الاستبداد عموما لأنه ينبني أساسا على ثقافة الاستعلاء والاستبداد وإلغاء الآخر من خارطة الوجود إلا بصفة الاستعباد والذيلية .
ولعل ما تعيشه تركيا من استهداف لتجربتها الديموقراطية وزعزعة استقرارها والانقلاب على الشرعية وما باءت به هذه المحاولة من الفشل الذريع في بضع ساعات ليتطلب منا الوقوف عند دلالات هذا الحدث :
* أن الديموقراطية ليست شعارات فارغة ترسل في الهواء عند كل الخطب والمسيرات ، بل هي ثقافة وسلوك سياسي واجتماعي كفيل بخلق مساحات كبرى للوفاق بين مختلف مكونات المشهد السياسي والنسيج المجتمعي لحماية خياراتها التوافقية وامتلاك قراراتها وسيادتها .
* أن الديموقراطية هي الخيار الوحيد والرهان الاستراتيجي لكل الشعوب وكل القوى الحية التواقة للتحرر من ربقة الاستبداد وليس هناك من سبيل لحمايتها إلا إذا انبثقت من الشعب عبر صناديق الاقتراع . والشعب وحده القادر على حمايتها وصونها .
* أن القيادة الحكيمة هي التي تحترم إرادة شعوبها وتبني علاقتها معها على الصدق والشفافية واستغراق الجهد في خدمتها بما يجعل نتائج ومخرجات هذه الخدمة تحولا مجتمعيا يؤسس للكرامة والحرية . وتعيش بآمال وآلام شعوبها وتقف معها في كل المواقف الصعبة .
* أن استهداف التجربة الديموقراطية التركية بغض النظر عن طبيعة هذا الاستهداف ومن يقف وراءه ليؤكد بأن تركيا بلد قوي شق طريقه نحو مصاف الدول المتقدمة التي تملك قرارها وسيادتها وصارت لها كلمتها داخل المعادلة السياسية للمنتظم الدولي . وسيعمل على فرز وتمييزمكونات الجيش التركي وعزل الألوية المناوئة للتجربة التركية .
* أن نجاح الشعب التركي في حماية الشرعية بتركيا وصون المشروع الديموقراطي سيعطي نفسا إيجابيا للشعوب المستضعفة على مواصلة نضالاتها في تحرير إرادتها وتقرير مصيرها ومواجهة قوى التحكم في كل ما تمثله من وجود وفي كل ما تمتلكه من آليات .
* أن إفشال محاولة الانقلاب في تركيا هو رسالة قوية على فشل كل المحاولات التي تعتزم مصادرة خيار الشعوب في تمثيل نفسها عبر صناديق الاقتراع .
* أن التصدي لمحاولة الانقلاب سيزيد من شعبية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وسيكسبه مصداقية كبيرة على مستوى الحضور السياسي في الداخل والخارج ، ومن خلاله التجربة السياسية لحزب العدالة والتنمية التركي .