مقالات الرأي
رضا الحكيم الشعيري: و أنت تلتهم دراما رمضان…
تروي الأسطورة أن الجيوش الإغريقية حاصرت مدينة طروادة عشر سنوات بغية اقتحامها لكنها مُنيت بالفشل، فلجأ قادة الجيش لحيلة ماكرة، وهى تصنيع حصان خشبى عملاق دسوا فيه جنودهم ثم تظاهروا بالانسحاب. فخرج سكان المدينة وقاموا بجر الحصان الجميل إلى الداخل. وتحت جنح الليل خرج الإغريق فاتحين البوابات لأقرانهم الذين نهبوا المدينة ودمروها تماماً.
هذه الرواية وإن كان فى حقيقة وقوعها بهذه الصورة شك تاريخى، إلا أن الذى لا شك فيه هو حدوثها كل يوم وكل ساعة لكن بين خصمين مختلفين.. وهما الإعلام وعقلك الباطن. فالإعلام الحديث لم يعد يهاجم عقول الناس بطريقة مباشرة ومكشوفة كما كان الحال في الماضي، بل يلتف ويتحوّر داساً السم فى العسل ومخبئاً الجنود فى الحصان كى يفتحوا ذهن المشاهد وقلبه لرسالة الإعلام التى تسيطر عليه دونما يدرى.
ومن بين الاسلحة الاكثر فتكا في هذه المعركة هي المسلسلات الرمضانية فهي تراود الذات التي تعيد صياغتها لتصبح دابة مبصرة ترى فقط وتسمع، دون أن تجد شيئا ثمينا يداعب خيالك أو يريك شيئا جديدا فى الحياة أو حتى يسليك للنهاية، بالتأكيد لكل قاعدة استثناء، وهناك أذواق عدة قد لا يروقهم هذا الطرح وهم صراحة السواد الاعظم من هذه الامة، فانا لا أفرض عليهم رأيا أو ذوقا، بل أسرد تجربة مشاهد لا يرغب أن يتوقف عقله لمجرد أن كاتبا أراد استنساخ تجربة من الماضى، أو حاول إلباس ثوب خياله القاصر لرائعة تربينا عليها وكبرنا على كلماتها.
فالظاهرة التى سيطرت على الشاشات خلال السنوات الأخيرة بدأت فى التعاظم، فالحال اليوم فى دراما هذا الأيام أن تصنع أمراً من اثنين: الأول أن تستنسخ فيلما أو مسلسلا نجح فى الماضى لتقدمه إلينا من جديد، أما الثانى فهو أن تأتى بتجارب من الخارج، سواء قصص أو طريقة ما للمؤثرات لتصنع شيئا مغايرا، لكنه لا يحمل ذلك العمق الذى نريده، وهناك طامة اخرى وهي المسلسلات المدبلجة والتي تقبل عليها القنوات المغربية بكثرة ويلبسونها لغة الدارجة ويسمون شخصياتها اسماء مغربية فينقلون ثقافة الانحلال والتميع الى الاشخاص حتى البسطاء منهم لانهم يخاطبونهم بلغتهم البسيطة ويدخلون عبارات دينية رغم بُعدها عن الموضوع وعن القصة الحقيقية للمسلسل ودلك لكي يداعبوا مشاعر البسطاء لن أعود إلى الماضى لأتذكر تلك الأسماء التى كتبت روائع مازلنا نتذكرها، ولو سألت نفسك ماذا فعل نجوم الدراما العام الماضى ستنسى ماذا فعلوا، فى حين لن تنسى مثلا «ليالي الحلمية» لأسامة انور عكاشة و«لا إله إلا الله» لأمينة الصاوى، و«محمد رسول الله» لجودة السحار،و«المال والبنون» لمحمد جلال عبدالقوى، وغيرها من أعمال حفرت فى قلوبنا قبل عقولنا.رغم هناك بعض الملاحظات على المحتوى العلمي والديني لهده المسلسلات ولكن على الاقل كانت تعطي فنا راقيا ومنتجا محترما.
اما فى الدراما اليوم فقد حضر العرى والإيحاءات والفحش من القول، فالسب والشتائم جعلوها مركز الاهتمام، ففى كل مشهد لابد من إقحامها دون أن يسعى ذلك السيناريست إلى جلب بدائل تغنينا عن سماع لغة ساقطة لن يتأثر العمل الدرامى إذا خلا منها. ومن ثم تجد شخصا مثل محمد رمضان يتفاخر بأنه سيكون رقم واحد لمجرد أنه يعكس شخصية البلطجي بتنويعاتها في أعماله، فمتى ستستفيق الشعوب العربية لترفض هده الاعمال وتفرض على المنتجين والكتاب اعطاء اعمال محترمة تخدم الامة والمجتمع لا ان تهدمه .