مقالات الرأي

عبد الله أطجيو: خواطر.. صرخة وداع

عبد الله أطجيو

ما أن تطأ قدمك لأول وهلة مركز دار الشاوي توقن أن قافلة التنمية قد حطت أخيرا رحالها بالمركز، ولبرهة من الزمن تتبدد ظنونك عندما تصطدم بأول حائط للمعاناة والارتجالية التي تعيشها القرية التي كانت بالأمس القريب تفتخر بنموذجيتها وتتباهى بين أقرانها من القرى الغير البعيدة عنها، هذه الفرحة التي سرعان ما تبددت واندثرت مع قدوم أول زائر أطلق عليه اسم “سد الحاشف” الذي كان سدا منيعا صعب اختراقه، تسبب في تهجير عائلات بذويها وإغلاق محلات تجارية كانت متمركزة على طريق كانت تسمى قيد حياتها “وطنية” التي أصبحت يتيمة بدون أهل ولا أحباب يدافعون عنها، وتركوها وحيدة تصارع حب البقاء.
هذه قريتي ومسقط رأسي، قد أكون مخطئا إن قلت قد تم اغتصابها، ولكن العبارة الأصح هي قد تم تهميشها في زمن مليء بالفرص التي لم تستغل ولن تستغل حاجة في نفس يعقوب، ولهذا ربما تلك القافلة لم تتوقف ولن تحط رحالها كما كنا نظن، فأول ما يستقبلك بمدخل قريتي، طريق مهترئة مليئة بالحفر والمطبات، ومعمل كبير لتصبير السمك، سقفه صفيحيا يكاد يحمل نفسه، تنبعث منه روائح كريهة تزكم الأنوف والأنفس، مياهه الملوثة تصب مباشرة في الوادي ليحمل بدوره تلك العصارة القذرة لتصل إلى سد الحاشف، وللتذكير فقط أنه كانت هناك مبادرة محتشمة من السكان المتضررين بتوقيع عريضة من أجل وقف هذه الكارثة البيئية، لكن دون جدوى ولا حياة لمن تنادي.
على بعد خطوات من مدخل قريتي، تجد لافتة فاقع لونها تسر الناضرين، كتب عليا بخط بارز “مشروع ربط قنوات الصرف الصحي”، هذا المشروع الذي كثر فيه الهمس والكلام المباح لغياب التتبع والمراقبة، فتجد حفرا هنا وهناك وهنالك، أشغال في كل مكان، وما من أشغال مكتملة، خنادق، آبار، يتهيأ لك أنك في حقول البحث عن البترول أو المعادن النفيسة، وبعد القيل والقال، تدخل أصحاب الحال لاتخاذ الحلول الترقيعية ملاذا وسبيلا، فما كان إلا أن تم طمر الحفر إلى أجل غير مسمى بعد تقديم شكايات من السكان.
غير بعيد عن مقر جماعة دار الشاوي، تجد بناية شامخة عبارة عن مدرسة جماعاتية والتي ما فتئ أن استبشرنا خيرا ببنائها وحل مشاكل الأقسام المشتركة ومحاربة الهدر المدرسي وتدني مستوى التلاميذ وخصوصا الفرعيات، لكن تلك القافلة مصرة مرة أخرى على عدم الوقوف والتوقف. مشروع لم يكتمل مخاضه بعد، وتوقفت أشغاله إلى أجل غير مسمى كذلك، وقد يجهض لقدر الله، وقد تتبدد أحلامنا. قيل لنا في البداية أن مشكل توقف الأشغال مرتبط بالسيولة المادية، لنكتشف في الأخير أن المشكل لا سيولة ولا انجراف ولا تعرية، كل هذه العوامل الغير الطبيعية اتخذت درعا لتلقي الضربات تحت الحزام، وإنما أصل الداء الوعاء العقاري الذي بني عليه المشروع الذي لم يطبخ بعد رغم شساعة الوعاء.
مرة أخرى تصاب بإحباط، ترى أمقدر علينا ما ابتلينا به؟ أمطلوب منا الوقوف عكس التيار أم الانحناء للعاصفة؟ فما هكذا تورد الإبل يا صناع القرار.
– حفر ومطبات هنا وهناك.
– طرقات مهترئة ومتهالكة.
– وحل بالتقسيط والجملة.
– مدرسة تمخضت فولدت فأرا هجينا لم يكتمل نموه بعد.
– معمل سمك يهدد بكارثة بيئية.
هذه قريتي التي تنزف دما وتذرف دموعا حسرة على فراق أبنائها دون وداع.
هذه قريتي التي بدت تتضح علامات الشيخوخة على ملامح وقسمات وجهها من بعيد.
هذه قريتي التي أعطتنا الكثير، وفي المقابل أدرنا ظهرنا لها.
هذه قريتي التي كتب اسمها في الأمس البعيد بماء من ذهب في سجل التاريخ.
أما آن الأوان لنرمم ما تبقى من أطلال تاريخها؟
أظن أن الكرة في ملعبكم، فماذا أنتم فاعلون؟

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق