سياسة

محمد العاقل يكتب : نهاية التاريخ بين المنظور والمسطور سلمان العودة نموذجا

حينما تقرأ العنوان يغريك وتقول هل سيستند إلى منهج مشهور؟ أم أنه سيبدع ويخرج عن المألوف؟ هذا ما ينتابك من شعور حينما تسمع عناوين من قبيل: العالم الأخر، نهاية الكون، نهاية التاريخ. لكي لا نسقط في دوامة، الكتيب المقصود هو نهاية التاريخللدكتور سلمان بن فهد العودة المشرف العام على شبكة الإسلام اليوم. تجولت بين أسطره وخرجت بملاحظات وددت مشاركتها معكم.

يقول الكاتب أنه وصلته ضجت كتاب المفكر الياباني فوكوياما وكتابه نهاية التاريخ، و التي نشرها في مجلة ناشيونال إنترست سنة 1989، ليصدر على شكل كتاب سنة 1992. أبدى سلمان العودة مجموعة من الملاحظات حول هذا الكتاب، فيقول في صفحة 4 ” فكرة الكتاب بسيطة إلى حد السذاجة، ففكوياما اليباني يحتفل بسقوط المنظومة الشيوعية ودفنها : إن الديمقراطية الغربية قد انتصرت وانتصرت معها أمريكا، ولم يعد أمام العالم ما ينتظره، لقد حدث الجديد وهو انهيار الماركسية، وتفكك الإتحاد السوفياتي وانتشار الديمقراطية اللبرالية الحرة في العالم بما في ذلك الدول الشرقية التي كانت تابعة للمنظومة الشيوعية. ولهذا فقد أغلق باب التاريخ فلا جديد بعد اليوم إلا في حدود بعض الإصلاحات والتغيرات الطفيفة هنا وهناك….. ” ليس هناك إيديولجية أو عقيدة يمكن أن تحل محل التحدي الديمقراطي الغربي الذي يفرض نفسه على الناس، لا الملكية ولا الفاشية، ولا الشيوعية لا غيرها إذن من خلال هذا الكلام يتبين لك أن الكتاب قيم وسوف يعطيك مجموعة من الملاحظات الجديدة لكن في الحقيقة لم يعدو يكون مجرد تكرار لبعض الأقوال ومحاولة ربط الكتاب بالجانب الديني وحمله لبعض الأحكام المطلقة ناهيك عن إصدار أحكام قيمة.

فالكاتب يعرج على سقوط الحضارة الغربية بقوله في الصفحة 8 ” أما نحن فنعتقد أن الواقع هو عكس ما بشر به هذا الكتاب – نهاية التاريخ لفوكويامافنحن نستقبل بشائر سقوط الحضارة الغربية،ولن تكون هذه نهاية التاريخ وإنما مرحلة من مراحله ومن خلال إختياره لثلاث محددات يعتبرها كافية وكفيلة بإنهيار الحضارة فيرىسلمان العودةأن سقوط الحضارة الغربية لابد منها وذلك من عدة نواحي أهمها :

  1. الناحية الشرعية : التاريخ لم يتوقف لفكوياما ولا لغيره. مستشهدا بأن الأيام دول بين الناس، فيقول أن الغرب بني على أساس مادي مما سيعجل بإنهياره بسرعة.

  2. الناحية التاريخية : التاريخ شاهد على تعاقب حضارات عديد لم تدم طويلا.

  3. ناحية الفطرة : يشبه الحضارة بالإنسان ويتعرض لمراحل نمو الإنسان من الطفولة إلى الشباب ثم الكهولة فهو يعمل داخل نطاق الدورة الخلدونية دون أن يشير إليها ترى لما هذا الإقصاء ؟؟؟.

أولا إبن خلدون مسلم عربي وهو رائد مجاله وصاحب نظرية العمران، هل لا يعرفه سلمان العودة ؟؟؟ أم أنه يفضل إقصائه والإستناد إلى فلاسفة ومفكرين غربين محدثين؟؟؟ أم أن لعامل الإيديولوجية دور في هذا الإقصاء؟؟؟. هنا أستحضر قولا للأستاذ مصطفى الغاشي حينما تحدث عن الرحالة الطنجيإبن بطوطة قال إننا عرفنا معظم مفكرينا وعلمائنا القدامى من خلال الدارسين الغربيين. هذا يحز في النفس، كيف يعقل أجدادنا نقصيهم ونتجه إلى من هم دونهم وأغلبهم عرفوناهم بفضلهم. فالسؤال المطروح أين كانوا ألم نعرفهم من قبل ؟؟؟ أم أننا لم نكن مقتنعين بهم وبعلومهم، وبعد ذلك يعرج الكاتب على قول السيد قطب إنتهى دور الرجل الأبيضمعلنا بذلك بداية الإنحسار لحضارة الغرب مستنهضا المسلمين إلى أن يكونوا البديل، ويقدموا للعالم الحل فيعطي مرة أخرى ثلاث صور لنهاية الحضارة الغربية :

  1. الإنهيار دفعة واحدة، فتنهار معه كل المنجزات البشرية. مستندا لقول الفلاسفة والمفكرين والفلكيين والأطباء وغيرهم من

  2. إنغلاق العالم الغربي على حاله وعدم التدخل في العالم الخارجي.

  3. إنهيار الحضارة، مستندا إلى نظرية صراع الحضارات The Clash of Civilizations “( لصاموييل هتنجتون Samulel Hunntingto ) والتي تؤكد أن من خلال الصراع الحضاري يمكن أن يكون النصر حليفا للتيارات الأصولية المتشددة التي تدعو إلى رجعة قوية وصادقة وكاملة إلى الدين في جميع ميادين الحياة، وهو يتفق مع في ذلك فيقول في الصفحة 36 ” وهذا الطرح طرح الصراع الحضاريهو في نظرنا طرح معقول في الجملة، وإن كان مقلقا للعلمانيين لأنه يقتضي الإعتصام بالدين، وسوف يجعل كل أمة تعود إلى دينها، وعقيدتها، وتراثها الصحيح. تعتصم به أمام من يحاربونها بدين مختلف، وعقيدة مختلفة، وتراث مغاير، وخصائص تاريخية مميزة. ”

فيخلص في الفصل الثاني إلى الحل بعنوان الجهادمهمتنا فهو يتناول الجهاد بمفهومه الواسع وليس الحربي، فيحبذ ويدعو الوطن العربي إلى السير على درب اليابان التي أعادت بناء نفسها منذ إلقاء القنبلتين النوويتين على مدينتي هيروشيما ونكزاكي إبان الحرب العالمية الثانية وبالضبط سنة 1945، دون أن يكلف نفسه عناء البحث في تجربة اليابان النهضوية، والتي يعرفها العام والخاص، كونها دولة فرضت عليها تحديات عويصة، ما ولد لها إستجابات ناجحة كما عبر عن ذلك أرنولد توينبي.

ولكن ما أثارني كثيرا هو قوله في الصفحة 40 ” الدعوة إلى الإسلام في بلاد المسلمين، ليكون الإسلام هو الأساس. الدعوة إلى التوحيد وإفراد الله بالعبادة، ونبذ جميع الأنداد والأوتان والأصنام…” وكأننا أمام دعوة محمد بن عبد الوهابفي القرن التاسع عشر وهو يدعو إلى العودة للأصول بدل الفروع، حيث نجده يتعاهد مع أمير درعة محمد بن سعودعلى العودة إلى صفاء الإسلام الأول، ونشر الدعوة بالحجة والسيف ومحاربة البدع وما علق بالإسلام من الشوائب والضلالات. كما عبر عن ذلك (علي المحافظة في كتابه الإتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة ) إن هذا الكلام يضعنا أمام منهج جدلي يخفي في طياته إقصاء لشريحة كبرى من المجتمع الإسلامي، فقوله يجب نشر الإسلام في العالم الإسلامي هو حكم قيمة. هل المسلمين كفار؟؟؟ أم أن مخالفي كافر؟؟؟ هذه العقلية المتحجرة كانت هي سبب الإنحطاط والتخلف الذي نعيشه، والكاتب مع إحتراماتي لشخصه الكريم سقط في هذا الفخ، وإنحاز إلى عصبيته وإديولوجيته وأخرج العام الإسلامي من الإسلام، وكأن الدين الحق هو ما جاء به محمد بن عبد الوهابومن حذى حذوه، وهذا حكم مطلق فيمكن أن تكون نظريته على صواب، كما أنها تحتمل الخطأ وهو وارد بكثرة، والتاريخ والتجارب تثبت فشلها في أكثر من مرة.

ثم نجده يتناقض معه هذه الدعوة، ويدعوا إلى الإنفتاح على العالم الغربي – الكافرحيث يحث على ضرورة إيصال الدعوة الإسلامية بالحكمة والموعظة الحسنة، وعن طريق الممارسة لا التلقين. مضيفا في الصفحة 43 أن مكتبات ضخمة في أمريكا وبريطانيا لا تتوفر على كتب إسلامية، وفي بعض الأحيان تجد كتب الرافضة، والقاديانية، أو غيرهم من أهل البدع، وأرباب الضلال.” وها نحن مرة أخرى أمام أحكام لا أساس لها من الصحة، أطرح سؤال هل زار كل المكتبات الضخمة في الولايات المتحدة وبريطانيا ؟؟؟ أم أنه يريد التضخيم والتقليل من فئة لصالح فئة ؟؟؟ فالتعصب وارد هنا حيث يورد الرافضة والقاديانية وكأننا أمام صراع مذهبي تبلور في القرن التاسع عشر بين تيارين. وهنا أتقدم بسؤال هل يعلم الكاتب أن أمريكا تدرس الخطط الحربية لخالد بن الوليد والسياسية الإقتصادية لعمر بن عبد العزيز ؟؟؟ وهل يعلم أن بريطانيا تدرس الأحكام الإسلامية والغرب عموما الكافريدرس ويتمعن في أمهات كتبنا، ونحن ننفي هذا التأثير ؟؟؟ فالكتابة بمنظور العاطفة والعصبية تجني على صاحبها ويلات قد لا يستطيع تحملها.

إن القارئ لهذه الأسطر سيجدني قاس في حق الكتاب وصاحبه، لكنني أحترم شخصه الكريم، وأنتقد فكرته. فشتان ما بين أن تنظر بمنظور فلسفي، وأن تتكلم من منطق إيديولوجيتك،. فالكتيب حينما يستعرض لمجموعة من المفكرين، والفلاسفة تجد متعة القراءة فيه، ولكنك تلمس الأحكام بمجرد أن يطلق الكاتب عنان قلمه، وهذا ما يجعله بعيدا عن الحديث عن نهاية التاريخ، وأن يخابر دروبه. وبذلك يتفوق عليه فوكوياما بنظريته، وبكل مقارباته سواء المنهجية، أو المعرفية.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق