مقالات الرأي

إلياس الميموني: دنيا الوجع 3

إلياس الميموني 

مدون و طالب باحث

 

أكبرت فيه لطفه وأدبه، قبل أن تستأذنه المغادرة لتسلم جفنيها إلى النوم، حتى تتمكن من اللحاق بأولى المحاضرات في الجامعة، تمام الساعة الثامنة من صباح اليوم.

أذن لها بالمغادرة متظاهرا بأنه، هو الآخر، مغلوب على نومه وسيأوي إلى فراشه في هذه الأثناء، والحق أنه اعتاد النوم والشمس متربعة على عرش السماء.

تمنت له أحلاما سعيدة، وضربت له موعدا آخر الليلة المقبلة، فبادلها الأمنية نفسها وزاد أن أفضى إليها بأنه
سيشتاقها شوقا جما، وأنه سيكون في انتظارها حتما.

غادرته فتركت فؤاده أفرغ من فؤاد أم موسى الكليم، وجعلته بين أصدقائه وحيدا مثل اليتيم، هي التي أغنته في ساعة من الزمن عن الصديقة والنديم.

عدل حسابه على وضع غير متصل، متفاديا الدخول مع أحد أصدقائه أو إحدى صديقاته في حديث محتمل، ثم عاد بضغطة زر إلى محادثته مع دنيا يقلبها، كأنما يبحث في طياتها عن سر.

انخطف يقرأ المحادثة رسالة رسالة ويتمهل، ويتدبرها ويتأمل، كأنها وحي تنزل، فزينت له وساوسه أنها تحمل بعضا من أمارات إعجابها به، حتى أن وجهه بالفرح تهلل.

كان الليل يوشك أن يخلع ثيابه، والفجر يقترب من أن يحدر نقابه، والصبح يستعد لأن يكشف عنه غطاءه، حينما أنشب التعب في جسده سهامه، فعزم على المغادرة وقصد فراشه.

مر عليه كل يوم يحادثها فيه مثل العيد وانجذبت روحه إليها والجسد بعيد، فصار أقرب إليها من حبل الوريد، أما هي فربطت صداقته بعرى متينة، ذلك أنها نسيت معه كل الذكريات الحزينة، واطمأنت إليه حتى استودعته الأسرار الدفينة.

صارحته مرة بأن إعجابه بالزعيم الثوري إرنستو تشي جيفارا، وتأثره بشعر محمود درويش، بحسب ما تتضمنه منشوراته الفايسبوكية، أشرع له قلبها على مصراعيه، إلى أن ملك عليها ثقتها.

أخفى عنها استغرابه من أن تكون ماركسية المذهب، فلطالما ظن أنها إسلامية الانتماء، متوهما بلباسها الموسوم بالحشمة والحياء، ووجها الملائكي الوضاء.

ولم يجد أي إحراج في نفي اعتقاده الماركسية فكرا، ولم يخفها سرا أن إعجابه بجيفارا وليد نصرته للمظلومين فى كل الأمصار، وزهده في الاستوزار، وأن تأثره بدرويش راجع إلى إحساسه بوجود رابطة خفية تربط أحدهما بالآخر.

ثم جاء يوم اعترافها له بأن شابا، يدرس بالجامعة عينها التي تدرس بها، قد شغفها حبا وسلبها لبا، فنهبته الغيرة نهبا، وأشبع حظه العاثر سبا، وأقسم ألا يحادثها منذ ذلك اليوم إلا غبا.

قاطع الحديث إليها يوما كاملا وفاء بقسمه، لكنه سرعان ما حنث به، مجيبا داعي شوقه، وعاد يحدثها كأن لم يعلم خبر شغفها بذلك الشاب، متمنيا لهما الافتراق في دخيلة نفسه.. يتبع

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق