سياسة

باحثون متوسطيون ينتقدون تقصير السينما الأوروبية في تناول مآسي المتوسط

انتقد كتاب وباحثون من المغرب وإسبانيا وفرنسا، بشدة، تقصير السينما الأوروبية، بالخصوص،  في تناول المآسي التي يعرفها حوض البحر الأبيض المتوسط.

ودعا الباحثون الخمسة،  في ندوة في موضوع “عندما تحكي السينما مآسي المتوسط” تم تنظيمها، أول أمس الثلاثاء،  على هامش الدورة 22 لمهرجان تطوان الدولي لسينما بلدان البحر الأبيض المتوسط،  إلى إيلاء مزيد من الاهتمام للقضايا المتوسطية في السينما.

وفي هذا الصدد،  قال الكاتب والأديب محمد الأشعري “إن الهجرة بصدد خلق جغرافيات جديدة،  تنتشر على أرضها كتل بشرية منذورة للموت”،  متحدثا عن “إفلاس أخلاقي” لأوروبا التي لا تتورع عن الحديث عن تدبير الهجرة وتوزيع المهاجرين،  وعن “إفلاس ثقافي”.   ودعا الباحث والصحافي الإسباني خوان خوصي تيليز،  من جانبه،  إلى ما يسميه “جدار برلين المائي” الذي يفصل بين ضفتي البخر الأبيض المتوسط،  واستخدام السينما في “تشييد فضاء عيش مشترك”.

وتحدثت المخرجة الإسبانية باز بينار عن تجربتها الشخصية حيث تسعى في أفلامها إلى كسر الأحكام المسبقة من خلال إسناد البطولة إلى النساء،  مشيرة إلى أنها أندلسية الأصل ما يجعلها تفهم معنى أن يكون المرء مهاجرا قبل أن تصير بلادها بلاد استقبال.

وشدد الناقد الفرنسي لوران دوري على القصور،  المقصود غالبا،  في معالجة مآسي المتوسط،  وتركيز بعض السينمائيين الأوروبيين خصوصا على مغامرة الهجرة السرية في حد ذاتها وتداعياتها مغفلين التركيز على أسبابها ودواعيها لفرض نوع من القدرية في ذهن المتلقي.

وبالمناسبة،  قدم دوري كتابا بعنوان “سلطة هوليود” لصاحبه الأمريكي ماتيو ألفورد،  الذي تمت ترجمته إلى اللغة الفرنسية وسيصدر في مستهل سنة 2017،  بمقدمة للناقد الفرنسي،  معربا عن الأمل أن تتم ترجمته إلى اللغة العربية وغيرها لكونه يفضح الأيادي الخفية وراء تحريف الإنتاجات السينمائية في العالم.

أما الكاتب والباحث الفرنسي جان ميشيل فرودون،  صاحب كتب “فن السينما” و”ما الذي تفعله السينما” و”النقد السينمائي”،  فاستخلص أن السينمائيين المتوسطيين “يديرون ظهرهم للبحر” إلى حد أن أفضل الأفلام التي صورت حول المتوسط من إنجاز سينمائيين من خارج المنطقة.

وقال الأشعري إن هذه الندوة شكلت فرصة للتعرف على بعض التحليلات المتعلقة بالرصيد السينمائي المتوسطي وعلاقته بالأحداث المأساوية أحيانا التي تجري في حوض البحر الأبيض المتوسط والتي لها علاقة،  خصوصا،  ببؤر التوتر الموجودة في المنطقة وبالهجرة ومآسيها،  وأيضا بالعلاقة المتوترة بين الضفتين.

وأضاف الأشعري أن المتدخلين أجمعوا ربما على أن السينما لحد الآن لم تستطع أن تقدم صورة قريبة من الواقع لهذه التراجيديات الحديثة التي تعرفها المنطقة.

وأشار إلى أنه حاول،  من جهته،  أن يبرز كيف أن أوروبا تتعامل لحد الآن مع تراجيديا الهجرة بنوع من صناعة الخوف،  وبنوع من القطيعة مع فكرة الحوض المشترك للبحر الأبيض المتوسط،  لأن صناعة الخوف هذه تريد أن توهم بأن الخاسر الأكبر في اكتساح “البرابرة الجدد”،  كما تسميهم بعض المنابر الإعلامية،  هو الحضارة الأوروبية التي لم تجد طريقة لاستمراريتها عبر أجيال جديدة.

وأعرب الوزير الأسبق عن أسفه لكون رؤية البحر الأبيض المتوسط قد فصمت تماما عن جذورها الحضارية الأولى وأصبحت اليوم تقدم الأمر على أساس كتلة أوروبية مهددة واكتساح جنوبي ينذر بالكوارث كلها،  بينما توجد أوربا في قلب الأسباب العميقة لكل ما يحدث الآن.

وأوضح الشاعر والروائي أنه “سواء تعلق الأمر بالقضايا الفلسطينية أو السورية أو العراقية أو بالفوضى في ليبيا أو بالحرب في اليمن،  فإن كل هذه البؤر التي أصبحت اليوم مهددة للأمن والسلام في المنطقة هي من إنتاج السياسات الأوروبية نفسها”.

وقال إن هذا الأمر،  للأسف،  لا يظهر إطلاقا،  كما بينت التدخلات الأخرى للمشاركين في الندوة من إسبانيا وفرنسا،  في السينما الأوروبية اليوم،  بل إن ما تفعله السينما أحيانا هو وضع أقنعة على الأسباب الحقيقية الكامنة وراء هذه التوترات وهو شيء مؤسف للفن والإبداع عموما.

وأكد أن الأمل،  كما عبر عنه مختلف المشاركين،  هو أن تلتفت السينما إلى التفاصيل الدقيقة لهذه التراجيديا وأن تنتجها،  طبعا،  عبر رؤيتها الفنية بطريقة تعيد الأمل في إنعاش فكرة حوض البحر الأبيض المتوسط المشترك وعدم بتر الحضارة المتوسطية من جزء أساسي منها وهو الضفة الجنوبية.

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق