سياسة

التناص والاحالة على الرواية الشطارية في “صدى الذكريات”

 

لا بد للرواية الشطارية من واقع سوسيو اقتصادي يفرز عينات من أشخاص يبحثون عن موقع لهم في المجتمع الذي لا يعيرهم أي اهتمام, فيضطرون للعيش على الهامش. يكتسبون خطابا وسيرة متميزتين للتعامل مع محيطهم دون امكانية الاستغناء عنه, ذلك أن الشطارية مستحيلة القيام من دون ارتباط الفرد بالجماعة .

في النص اشارات الى ماضي طنجة العريق في السياحة التي كانت من مصادر الرفاهية السهلة بالمدينة, فقد كانت مقصد سياح من فئات اجتماعية واقتصادية راقية مع قوة شرائية ردفها السخاء. كثير من أبناء المدينة وتحت تأثير سحر الوافد, تخلوا عن مقعدهم الدراسي واتجهوا الى التجارة معه أو تقديم خدمات له على شكل ارشادهم للسياح داخل أزقة ودروب المدينة القديمة…يضرب  السارد مثلا  بوالده وبعمر بائع الورد و بنماذج أخرى في “صدى الذكريات”. ثم تأتي مرحلة كساد هذا العصب الحيوي في اقتصاد المدينة, لتعري الواقع البئيس لجميع من كان يدور في هذا الفلك ويتخذ منه مصدرا للعيش الرغيد, خاصة أن أغلبهم ولتوفر الأسباب, صار من مرتادي الحانات أو المدمنين على تعاطي المخدرات ليكون مصيرهم الجنوح والعيش على الهامش. كما ترد في النص اشارة فاتنة في “عرس مايكل” الى  حاضر السياحة بالمدينة الذي يشير الي نوع من السياح الجدد الذي يفد على المدينة عن طريق الصدفة, لا للاقامة بها, انما في جولة خاطفة لا تتعدى كلفتها السبعين من عملة اليورو. ثم اشارة أخرى الى استيراد مظاهر سياحية جديدة من مراكش ومنها دور الضيافة في رحلة بحث عن سياحة مستقرة بالمدينة, وعادات أخرى في الذواقة الطنجاوية مستوردة ومنها خبز “الحرشة” الذي يعلق عليه النص:” وهذه الأخيرة كانت حديثة العهد بالرواج في أسواق طنجة” ص 38

زيادة على مظاهر شطارية أخرى دخيلة على المدينة وعلى المجتمع الطنجاوي بفعل الهجرة الداخلية, تظهر جلية في نص “السماوي” ص79,  تصنف في خانة الشعوذة المقرونة بالابتزاز, يقابلها نص “اللنجرية” ص 83 في عادة التماس أهل المدينة البركة في أشخاص من الصلاح.

مع شخصية مايكل, نقوم بجولة سياحية بطنجة ممثلة في فضاءاتها: باب البحر, مقهى الحافة, المقهى الثقافي لحظات… لنسجل انبهار مايكل الملفت بجمال المدينة, التي قليلا ما تسوق بالخارج للسياح الأجانب, بل تحجبها اتجاهات أخرى مثل مراكش  وحمامات الرمل بكثبان مرزوكة. ثم يردف بأن أهل المدينة وحتى الأطفال منهم يتحدثون اللغات الحية في اشارة ضمنية أن ما آلت اليه السياحة بالمدينة كان أمرا مدبرا وبمكر خبيث.

لعل ما يميز الرواية الشطارية في تقنيات سردها هو الحكي في ضمير المتكلم,  فتظهر الشخصية بوجهة نظر مزدوجة فهو السارد و الكاتب و الممثل الفاعل في نفس الوقت. وجهة النظر اذن أحادية ومحتكرة في  عملية السرد لتتحول بعدها الى تلك النظرة الفرعونية التي “لا تورينا الا ما يراه” من خلال النافذة أو الكوة التي يفتحها السارد للقارئ على الأحداث في مؤامرة مشوقة لمزاولة هذا الاحتكارالمبطن بالتدجيل الفني.

ضمير المتكلم عند السارد, وتحركه المكوكي ما بين السارد البالغ (العليم بالأحداث) والسارد الطفل (المتعلم من الأحداث) يفرض تعاطفا لا مشروطا  للقارئ مع السارد الطفل / البالغ, والذي ينتهي دائما بحل وسط نظرا “للالتزام القراءتي” و الذي يورط فيه السارد قارءه. والنتيجة محسومة مسبقا: يتعاطف القارئ مع السارد دون أن يتمنى الحلول بجلده.

هذا التحرك المكوكي ما بين السارد البالغ/الطفل, يعبر عنه الأستاذ عثمان بنشقرون في تقديمه المقتضب والثري بتكثيفاته السيميائية: ” وسيكتشف القارئ مهارة متميزة في نقل الواقع الملموس بعفوية وتلقائية, لا تماثلها الا تلقائية وعفوية الطفل الذي يسكن السارد ويشكل خصوصية من خصوصيات نظرته الى الحياة” ص.6

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق