مقالات الرأي

سعيد الخياط بوجعاب : هم يعبدون ضحاياهم ونحن ندفنهم مرتين .. !!

إن للمحافظين الجدد بالكونغريس الأمريكي ذاكرة قوية ، فهم يتعهدونها بالتذكير والإحياء عمدا وعن قصد ، إذ أن معظمهم ، بل جلهم ، أبناء أو أحفاد لعائلات يهودية نازحة من شرق أوروبا إلى غربها ، أو إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، فرارا من ويلات الحرب الكونية الثانية ، بل إن معظمهم إلى عهد قريب كانوا من بقايا الناجين من السطوة النازية ….وبغض النظر حول صحة تلك الأرقام المفزعة التي يرددها اليهود عن تلك الكارثة وبالضبط رقم (الستة مليون ) !!.. بغض النظر عن صحة ذلك من عدمه ، فإن السؤال المطروح هو : لماذا هذا الإصرار على “تأبيد ” الذكرى ، رغم مرور أكثر من خمسة وستين سنة على نهاية الحرب العالمية الثانية ، بكل تلك المآسي والويلات التي جرتها على البشرية ككل ، وعلى فئة من اليهود طبعا ؟ !! ما السر وراء ذلك ؟ !!  و من هي الأيادي الخفية التي تحرك خيوط اللعبة من وراء الستار ؟!! أوليست تلك العشرات من الملايين من الضحايا المسيحيين الروس والألمان و…وأيضا اليابانيين ..بشرا كذلك ؟!! بل إن تلك الألوف إن لم نقل الملايين من المسلمين المهجرين قسرا من بلدانهم ( التي كانت عبارة عن مستعمرات ) من شمال إفريقيا وباقي العالم العربي والإسلامي ، للمشاركة في تلك الحروب المشتعلة ، والتي لا ناقة لهم فيها ولا جمل …وبالتالي من سقط منهم فيها ولم يحض حتى بقبر له يزار للذكرى ..ألا يستحق الذكر والتخليد والاحتفاء ؟!!

هذه مجرد أسئلة نطرحها ، أو بالأحرى تطرح نفسها ونحن نعيش مع أواخر شهر يناير من سنتنا هذه 2016 والذي من المنتظر- بل من المؤكد – أن تشهد تخليدا لذكرى ضحايا (الهولوكوست ) في يوم السابع والعشرين منه ، كما في السنوات الماضية ، وذلك تنفيذا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي وقع عليه بالإجماع في جلسة ذات طقوس خاصة ، في يوم الفاتح من نونبر من سنة 2005 (1)،  كيف لا ونحن نشاهد أنه سنة بعد أخرى يزداد الضجيج والصخب الذي تثيره المؤسسات اليهودية حول المحرقة (الهولوكوست )، ويزداد العويل لجمع تبرعات اليهود لأجل تمويل المؤتمرات والمطبوعات والفصول الدراسية المتعلقة بهذا الموضوع . بل لقد أصبح الإقبال على دراسة (الهولوكوست ) يأتي في المرتبة الثانية بعد دراسة التوراة ، إذ أن أكثر الطلاب اليهود يقفزون من دراسة التوراة إلى دراسة (الهولوكوست ) دون الاهتمام بما حدث في الحقب الزمنية التي تفصل بينهما !! (2). فعلا إنه لأمر عجاب !! ..كيف لا ونحن نجد من يجرأ أن يسجل تحفظه على ذلك يتعرض لمحاكمات واعتقالات ونفي ، وخير مثال على ذلك المفكر العملاق رجاء جارودي في مجموعة من كتبه التي  تلخص المعاناة والمضايقات التي تعرض لها  جراء محاكمته للصهيونية ونكرانه لدعايتها المتعلقة بالمحرقة وأرقامها المبالغ فيها .. !!(3)  بل هناك حتى  من اليهود أنفسهم من سجل تحفظه على ذلك  ، فهاهو البروفيسور اليهودي ” أسمار شويش ” قد كتب مقالا سنة 1981 يتحدث فيه بامتعاض وبمرارة قائلا : ” بتحويل (الهولوكوست ) إلى بديل عن اليهودية فإننا نؤكد دون أن ندري وجهة النظر الخطيرة التي تعزو استمرار الوجود اليهودي إلى استمرار العداء للسامية ” …وفي نفس السياق ذهب ” ديفيد ديوك ” السياسي الأمريكي اليميني في مقابلة تلفزيونية أجرتها معه محطة تلفزيون ” إن ، بي، سي ” الأمريكية في برنامج ” واجه الصحافة ” في 28 مارس من سنة 1999 ،  ليكشف لنا أن الأمر يتعلق بوظيفة محددة هي استدرار الأموال والابتزاز السياسي ، كما أنها قضية تستخدم اليوم بصورة مخزية  لأغراض سياسية ، وبالضبط لدعم سياسة معينة في الشرق الأوسط تنكر على الشعب الفلسطيني حقوقه .. وهذه مهنة صهيونية عريقة ..(4)

وبالمقابل ، ما الذي نفعله نحن العرب والمسلمين من أجل قضايانا أو بالأحرى ضحايانا ؟ !! من يتذكر منا فاجعة سقوط الأندلس  ؟ من منا  يكلف نفسه تذكر مأساة سقوط دولة  الخلافة العثمانية ؟ كيف نحتفل بذكرى استقلال بلداننا من فواجع الاستعمار الذي مزقها ودمر كياناتها واستنزف خيراتها ؟ من يستحضر الكلفة البشرية من الضحايا والشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل هذا الاستقلال ؟ ما لنا لا نتذكر كل تلك المآسي التي مرت بنا إلى عهد قريب : ذكرى النكبة واغتصاب فلسطين ، فاجعة دير ياسين ، فاجعة صبرا وشاتيلا ..محرقة جنين …فواجع غزة ولبنان المتتالية ..كارثة حرب  العراق الأولى والثانية والخسائر البشرية والحضارية لها (5)…من يلقي بالا حتى لهذا النزيف المتواصل لما يسمى الربيع العربي …من يستصرخ اليوم  لضحايا سوريا الذين يراد لقضيتهم أن تتفرق وتتشعب بين الشعوب والقبائل والفوضى،  حتى تصير كدابة ” الجساسة ” التي لا يعرف لها أولا و لا آخر … ومصر ، واليمن ، وليبيا ….ووو….(6)

إن السؤال اليوم هو هل هذه الأرواح التي تزهق يوميا بالمئات و الآلاف ،  أليسوا بشرا يستحقون التأبين والترحم والذكر …؟ عوض هذا النعي المتواصل لأرقام الضحايا كأرقام سلع فاسدة تستوجب التخلص منها وكذا هذا العرض الباهت لصورهم وكأنها رؤوس حيوانات نافقة لا غير …  !! أليس الواجب هو البحث والتمحيص  في  قضاياهم :  ليحيا من يحيا عن بينة ويموت من يموت عن بينة .. ؟! ففي النهاية هذه أرواح تزهق ودماء تسيل هدرا دون وجه حق.. أو هذه نفوس تبذل في سبيل قضية مقبولة معقولة بل وربما مطلوبة مرغوبة كالدفاع عن حمى الأوطان ،  ومقدسات الأمة ، وحماية الأعراض  والأموال … فالحمد لله أن للأمة ميزان المصالح والمفاسد للتمييز بين هذا وذاك ..ولا ينقصنا سوى الإرادات والعزائم ..فهل في هذه الأمة بقية من خير بفضل العلماء للقيام بذلك ؟؟ (7)  ذلك ما نتمناه والمستقبل كفيل بالإجابة عن هذا السؤال .

 

 

الهوامش

  • سعيد ناشيد ، كتاب ” ما وراء الإرهاب الفلسفة وظاهرة افرهاب العالمي ص : 12 – 14
  • محمد جلال عناية ، ملامح من تاريخ اليهود السياسي ، من بابل إلى تل أبيب ص : 37
  • أنظر حوار مع الدكتور المفكر أبو زيد المقرئ الإدريسي أبو زيد حول : رحيل الفيلسوف المسلم رجاء جارودي مجلة الفرقان ع : 69 ص : 82 وما بعدها
  • محمد جلال عناية ، ملامح من تاريخ اليهود السياسي ، من بابل إلى تل أبيب ص : 38
  • أنظر على سبيل المثال مقال : أبعاد الخسائر البشرية والسياسية لحرب الخليج الثانية إقبال الرحماني مجلة المستقبل العربي ع 179 ص 33 وما بعدها
  • انظر د : محمد حسين أبو العلا وكتابه الشيق ” ميثاق العبث السياسي “
  • انظر د :أحمد كافي ، العلماء والربيع العربي ، مجلة الفرقان ع 69 ص 33 وما بعدها

 

 

 

 

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق