مقالات الرأي

فيصل الأمين البقالي: عن نازلة د.الأمين بوخبزة وسكاكين القاصي والداني

فيصل الأمين البقالي

تكثر هذه الأيام كلماتٌ تتفاوت في سُمِّيَتِها في حقِّ أستاذنا الدكتورالأمين بوخبزة حفظه الله على خلفية خرجاته الإعلامية الأخيرة .. وقد آلمني هذا الأمر من يومه الأول وطويتُ عليه صدرا يموج ونفسا تنزف خصوصا وقد سارع بعض المتصيدة لما يسمونه “فضائح الإخوان” إلى رفع عقيرتهم وإظهار خسيستهم .. فأحببتُ (على ما بيني وبين هذه المواضيع من مسافة!) أن أنوِّهَ بأمورٍ أراها من الأمانة التي يجب أن تؤدّى إلى أهلها:

1- لا شكَّ أن أستاذنا الدكتور الأمين بوخبزة حفظه الله قد أخطأ إذْ عرض ما لا يجمُلُ عَرْضُه خارج المؤسسات المخوَّلة لذلك .. نعم!.. ما كان له أن ينشُرَ ذلك بالطريقة التي فعل، وما كان له أن يزجَّ بالإخوان في تطوان وغير تطوان في كل هذا النقاش .. فإننا إن أحدثنا شقوق في “طيفور” العائلة فتحنا للأوساخ مجالا تحتشد فيه و”تتعرم” .. وقد كان أوّلُ المتأذين في نظري أستاذنا السّي الأمين نفسه .. فصار يتكلم عنه – وبقلة أدب – القاصي والداني والكبير والصغير .. ولئن ضاقت بالأستاذ الحبيب المجالات الداخلية تصريف هذا الأمر، فقد كان الأولى به أن يصبر ويحتسب والله لا يضيع أجر المحسنين .. نسأل الله السداد !

2- إنَّ أستاذنا الدكتور الأمين بوخبزة حفظه الله رجلٌ من الأفذاذ الذين قدّموا للأمة والدعوة والبلد الكثير في وقت كان كثير من هؤلاء المُتَبَجِّحين عليه اليوم إما في عالم الغيب نُطَفا، أو في عالم “الغيبة” سُخَفَا .. إما أنَّهم كانوا ما أتوا إلى هذا العالم بعد .. وإما أنهم كانوا من الهَمَل الخُبْزيين الدائرين في فلك خُوَيْصاتِهم .. وكان هو يخاطر بحياته ومستقبله وعيشِ أسرته في سبيل الله وابتغاء مرضاته وخدمة للمومنين وهذا البلد السعيد .. وقد قرأنا قوله تعالى: “وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ” صدق الله العظيم .. لقد قضى أستاذنا الدكتور الأمين بوخبزة حفظه الله عمره في العمل الإسلامي بروافده التربوية والدعوية والفكرية والخيرية والسياسية، ولم نعلمْ عنه ولم يبلغْنا أو يبلغ غيرنا ما يشينه في دينه أو ذمته أو عرضه .. بل كان وما زال شامةً بين الناس نسأل الله لنا وله حسن الخاتمة وحسن القبول .. ومع أمثال هؤلاء من ذوي السابقة يَحْسُنُ بل يَجِبُ التعامُلُ بالاحترام الواجِبِ وإن أساؤوا، دونَ تَضْييعٍ للقانون أو تعويجٍ لمساطره .. وفرقٌ بين تطبيق القانون ومساطره بالعدل والمساواة دون تمييز، وبين إقلال الأدب والاحترام والتهجم بالنقد الجارح والتسفيه القارح للكبار من ذوي الفضل والسبق .. فإن قوما ذا شأنُهم لا خير فيهم بلا أدنى شك !!

3- إن ما عرضَهُ أستاذنا الدكتور الأمين بوخبزة حفظه الله في خرجاته الأخيرة كلامٌ في السياسة بمعناها الصّغير والضّيق .. أي السياسة من حيث هي تدابير تنظيمية وقرارات إدارية داخلية حزبية يغلب عليها الاستقطاب بين الآراء والاختيارات وما يكون مع ذلك من صنوف الاختلافات والخلافات وما يشوب ذلك من تغير في القلوب وكدر في النفوس إلا أن تكونَ شورى ناظمة صارمة ملزمة وشفافة، وإلا أن يكون معها وقبلها وبعدها إخلاص لله ورسوله والمؤمنين .. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه وهو يرصُّ صفوفهم للصلاة فيقول: “لا تختلفوا فتختلفَ قلوبكم” ويزيد فيقول: “إياكم وهيشات الأسواق” .. فإذا كان الاجتماع للصلاة والتّراصّ بين الناس فيها مَظِنَّةً لاختلافٍ تختلف فيه القلوب، وفيه إمكانية وقوع هيشاتٍ (وفي رواية هوشات) كهيشات الأسواق، فكيف بشأن كشأن السياسة خصوصا في محطاتها الانتخابية التي هي عند قومٍ مغانم تُجْلَبُ، وعند آخرين مغارم تُدْفَعُ .. وهي عند أهل البصائر والرؤى والغيرة لحظاتٌ حاسمة لاختيارات المستقبل وكذا لتمحيص اختيارات الماضي؟ فمن الطبيعي أن تتغيَّر فيها القلوبُ بتَغَيُّرِ المواقف والآراء والمنازِعِ والطبائِعِ .. ومنه فإنَّ كلامَ د.الأمين بوخبزة مع ما نعرفه عنه من صِدْقٍ وإخلاص ونَجْدَةٍ وغيرة مظهرٌ من مظاهر الحدة في هذا المقام، ولولا خروجه على هذا النحو، و لولا أنه أولغ فيها وأوغل وأولغ خصومه وأوغلوا (وإن كانوا أذكى بصمتهم وإعراضهم) لاعتبر عاديا ومعتادا .. لا يعني هذا أن كلامه صحيحٌ بالمطلق، كما لا يعني أنه باطل بالمطلق .. وإنما هو من تلك الاختلافات التي لا تنتهي في هذا المقام .. وقد كنّا بالجامعة نحضرُ حلقيات تستغرق أياما لا ساعات في قضايا مغرقة في تفصيلاتها القانونية وأحداثها الميدانية، مع محدودية الأثر في الزمان والمكان والأشخاص، ومع ذلك “فكلٌّ يدَّعي وَصْلاً بليلي، وليلى لا تُقِرُّ لهم بذاكَ” .. إنما ذلكم رأي د.الأمين بوخبزة في شأن تفصيلي ونوازلَ محدودة، نفخها خروجه وحمّأتها اختلالات تربوية وخوارم مروءة من غيره.. وقد كان كان يجمل بهم فعلا أن يطووه فلا ينشروه!

4- إن تعليق عضوية أستاذنا الدكتور الأمين بوخبزة حفظه الله بحزب العدالة والتنمية من الإجراءات التي تعبر عن حياة مؤسسة حزب العدالة والتنمية وقوتها .. وهو إجراء جرت به العادة عندهم في مثل هذه الظروف حتى لا يُحْسَبَ على الحزب ما قد يصدُرُ عن الشخص المَعْنِي من صنوف الممارسات التي قد لا تكون موَفَّقَة في مرحلة دقيقة أو وضعية حرجة يمر بها الشخص المعني بالأمر أو مؤسسته أو البلد بشكل عام أو ما شابه ذلك ..

5- إنَّ تعليقَ عضوية أستاذنا الدكتور الأمين بوخبزة حفظه الله بحزب العدالة والتنمية لا تنقص بحال من مقداره عند إخوانه وداخل صفهم ولا من فضله وسابقته، بل تزيد في ذلك كله باعتبار أن التعليق من قوة وحياة مؤسّسة كان من مؤسسيها ومهندسيها، بل من مؤسسي المشروع العام الذي انبثقت عنه وتحركت في إطاره .. وليس الدكتور الأمين بوخبزة أول ولا آخر عظيم يشارك في إنشاء مشروع كبير ثم في لحظة من اللحظات يكون موضوعيا خارجه أو على الأقل في تعارض مع مركزيات جديدة فيه..

6- كل هؤلاء الذين يفتحون أفواههم ويشرعون أقلامهم بالسوء في أستاذنا الدكتور الأمين بوخبزة -حفظه الله- عليهم أن يتقوا الله في أنفسهم وفي دعوتهم وفي مشروعهم وفي أساتذتهم .. فإن كان مخطئا (وهو مخطئ في بعض ما ذهب إليه خصوصا في الأسلوب الذي اختاره لتصريف هذا الخلاف) أعطيناه فرصة الرجوع، وحُلنا بينه وبين مزيدِ خطأ .. وإن كان مُصيبا (وهو بلا ريب مصيب في أمور كثيرة) لم نَكن طرفا ضالعا في ظلمه، فيكون ذلك حجة لمزيد إغراق في هذا اللغو الذي طال وتناسل وقد قال تعالى : “لا يحب الله الجهر بالسّوء من القول إلا من ظلم”، وقال “وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ” .. أدعوهم إلى لَجْمِ أفواهِهِم فإن اضطروا إلى ردٍّ فباقتضاب يَدْفَعُ غائلة شبهة واردة أو إساءة شاردة دون تَشَفٍّ ولا تنمر، حتى لا يكونوا من السفهاء الذين يجتمعون “بسكاكينهم” عند “وقوع البقرة” .. أو الجبناء الذي يتشجعون للضرب ساعة الجمهرة !!! .. ومن نشر سوءا (وقد طالعتُ الكثير منه اليوم بعد خبر تعليق العضوية) فأدعوه بكل حبٍّ وأخوة إلى محوه محتسبا لربه ..

7- أدعو من موقع الإبن المشفق والتلميذ المحب سيدي وأستاذي الأمين بوخبزة -حفظه الله- إلى أن يكفّ إن كان في قوس الكف منزع .. فإن كان مريدا لأمر فقد بلغ وزاد .. وإلا فالكف أولى وباب التصحيح دائما مفتوح وورد الصفح مورود .. فإن كان يُراه مُحقًّا فالعفو من خير الشمائل، وإن كان يراه مخطئا فالرجوع إلى الحق رأس الفضائل ..

8- أدعو الإخوة في تطوان خصوصا إلى التحلي بأسباب الأخوة والمروءة، فإنهما فواصل في هذه الشؤون .. والأمر في منطق الآخرة أعجل من كثرة القول والرد عليه .. والموت يطوف بنا جميعا والبر أولى وكذلك المعروف .. ولئن قُبِضَ غَداً سيدي الأمين -بارك الله في عمره وصحته- فليندَمَنَّ عليه قومٌ وليشعرُنَّ بالخزي آخرون .. ولست أتحدث عن خصومه السياسيين بالضرورة فلست داخلا فيهم ولا اطّلاع لي على ما شجر بينهم .. ولكن أتحدث عن بعض الحاشري أنوفهم في هذا الأمر ولهم في غيره غناء .. ولنتأمل قول عروة بن الورد:
“أحاديثَ تبقى والفَتَى غيرُ خالِدٍ .. إذا هُوَ أمْسَى هامَةً تَحْتَ صَيِّرِ”

أسأل الله تعالى أن يجبر الكسر ويجلو الكدر ويوفقنا جميعا لما يحب ويرضى ..
والحمد لله رب العالمين

طنجة : الإثنين 26 محرم 1437 هـ موافق لـ 09 دجنبر 2015

الوسوم

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق