مقالات الرأي

محمد خيي الخمليشي :مأزق الاقتصاد السياسي !

تابعت بشغف نقاشا ماتعا باحد القنوات حول “اسباب” انخفاض اسعار النفط ، بين الوهم و الحقيقة .
واذ يصعب علينا حقيقة ان نقتنع بالمبررات ” الاقتصادية” البحتة التي يتم تسويقها من طرف بعض المتخصصين في التحليل الماكرو اقتصادي لتفسير ذلك السقوط الحر لأسعار البترول… الا ان نظرية المؤامرة “السياسية” والاتفاق الضمني بين السعودية والولايات المتحدة لخفض الأسعار نكاية في روسيا و إيران يبدو وكانه تهور في تحليل ظاهرة معقدة و نزوع نحو تفسير تبسيطي من دون شك …
يستند التحليل الاول الذي يعول على الأسباب الاقتصادية البحتة لانخفاض أسعار النفط على ظاهرة الأزمة الدورية للنظام الرأسمالي ويذكرنا بأن انخفاض الاسعار يعود لاختلال توازن الاسواق الناتج عن وفرة المعروض مقارنة مع الطلب، بالإضافة الى اتجاه أسواق الاستهلاك الاساسية نحو الانكماش وخاصة في اسيا و تباطؤ النمو العالمي واعتماد الاقتصاد الامريكي المتزايد على الصخور النفطية و تزايد الرهان على الطاقات البديلة … لكن الجميع يعلم ان الصورة لا تكون مكتملة عندما يغيب هؤلاء المحللين معطا حاسما في الموضوع ، وهو مدى استعداد منظمة الاوبك لاتخاذ قرار خفض سقف الانتاح و من ثم قدرتها على التحكم في العرض واستعادة توازن الاسواق .
ومن دون شك فان قرار الاوبك يعود في الظاهر للدول الاعضاء المنتجة للنفط و باستحضار معطى حصة كل دولة من الانتاج يبدو ان الدول الخليحية مرجحة للقرار وهي وحدها من يمكنها ان تجنب العالم هذا السقوط الدرامتيكي لأسعار النفط في السوق الدولية …
العربية السعودية تتحدث عن “الثمن العادل” و عن ضرورة انخفاض الاسعار الى مستوى يحوم حول سبعين دولار للبرميل وهو ما يحقق التوازن المطلوب ، لكن المشكلة في منحنى الانخفاض الذي لا يريد أن يتوقف، كما ان الخبراء لا يتوقعون جديدا في الموضوع قبل عام ونصف تقريبا من أجل أن تعاود الأسعار رحلة الصعود ربما نحو الأعلى … ولربما لزم الأمر ثلاث سنوات -في الظروف العادية وبدون مفاجآت- لتستقر الأسعار من جديد عند الثمن العادل (أي مابين ستين و سبعين دولار ) …
وإذا أضفنا إلى هذه الاعتبارات أنه بسبب هذا التراجع في الاسعار فان الفوائض المالية لميزانيات دول الخليج آخذة في التراجع والانحسار وانها على اقصى تقدير يمكن ان تصمد بين اربع او خمس سنوات اخرى و ان الوضع المريح لهذه الدول و الناتج أساسا عن توافر السيولة النقدية لاقتصادياتها المعتمدة على مداخيل البترول بنسب عالية (تفوق 95 % ) مهدد بالزوال ، فانه يسهل علينا ان نستنتج انه في نهاية المطاف قرار خفض سقف الانتاج من طرف الاوبك يحتاج لقرار سياسي (واقتصادي !) يعتمد على حسابات استراتيجية توازن بين الربح الآجل و الربح العاجل… وبلغة أخرى سيصعب علينا – ان لم يكن مستحيلا – التمييز بشكل موضوعي بين العامل السياسي والأسباب الاقتصادية لتفسير ظاهرة استمرار انخفاض أسعار النفط و أين يبدأ تأثير كل منهما وأين ينتهي ؟
الذي يهمنا من كل هذا أن بعض مقولات الاقتصاد السياسي وهي تعجز عن اقناعنا بصوابية ما تذهب إليه من اتجاه نحو الاخذ بتفسير صارم ونموذجي للظواهر الاقتصادية فإن الجدل الفكري والمذهبي في مثل هذه المناسبات يتجدد بشكل مثير بما يوحي لنا بتراكب وتعقد ما يرتبط بالإنسان من ظواهر …
وما يهمنا أكثر من ذلك في الحقيقة هو أن انخفاض أسعار النفط جسد لنا أكثر من أي وقت مضى حكمة ورجاحة القول بان مصائب قوم عند قوم فوائد …

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق