مقالات الرأي

رضا الحكيم الشعيري: “السيلفي” مرض العصر

شخصيا اتذكر ذلك الزمن الجميل حين كانت الات التصوير نادرة فكانت تُخّٓلٓد بها فقط الذكريات الجميلة حيث كانوا يجبرونك على الابتسام – عشان الصورة تطلع حلوة ههه – لأنه لا مجال للخطإ فعدد الصور محدود و الثمن باهظ واحتمالية الفشل في التقاط صورة واضحة كبيرة، و الفرص ضئيلة أن تقع بين يديك آلة تصوير بعيدا عن هكذا مناسبات وليس اي شخص يستطيع امتلاك الة التصوير اما عن الكاميرا فشبه مستحيل ان يمتلكه بعض الاشخاص (ذكريات جميلة ببساطتها)،وعملية طباعة الصور كانت تمر بمراحل طويلة حتى تتشوق لرؤية تلك الصورة التي التقطت كيف ستبدوا وكم من مرة ضحكنا على انفسنا عند مشاهدتنا للصور وكم من مرة صُدمنا عند اكتشافنا ان الفيلم فارغ او احترق بسبب خطأ صغير فتضيع علينا ايام من التصوير وكان الفيلم ذو 24 صورة يساوي 35 درهم النوع الممتاز وتحميضه فقط يساوي 20 درهم و5 دراهم للصورة لذلك كانت للصورة تلك القيمة الرائعة كلحظة مخلدة من الزمن الذي تريد ان تحتفظ به في الذاكرة الورقية حتى تتذكره من جديد اذا ما انت اشتقت لتلك الايام ..

اليوم أصبح الامر مبتذلا مع تطور التكنولوجيا فصارت الكاميرات بيد الصغير قبل الكبير، فلم يعد يخلو هاتف من ألبوم صور مكتظة تكاد تكون فاقدة لمعنى الذكريات .. فقد تبدلت الغايات و تغيرت معاني الاشياء واخرجت الانفس مكنوناتها و انكشفت في المرايا او بالاحرى الصور .. اصبحت الصور تُلتَقَط لتوضع على مواقع التواصل قصد التبجح او سد النقص و فراغات النفس أو لإشباع الأنا المتضخم حيث لم يعد يرى الانسان إلا نفسه !فتراه يصور سحنته البهية الطلعة كلما وجد نفسه في مشهد قد يمرر من خلاله رسالة من قبيل : انا اعيش الترف او السعادة او القوة او او او مما تشتهي النفس … و الاحقر ان معظمها كاذبة ، اي ان الانسان اصبح لا يتردد في تزييف الحقائق (طبعا يسمي ذلك تجميلا او أبداعا سينمائيا او ذكاءً إخراجيا.. المهم اي شيء عدا اسمه الحقيقي ..) لكي يفضي إليك برسالة مغايرة للواقع ..

وليس للامر اسم غير الكذب و التزوير ! نعم ! ألا يتصنع الضحك و هو مهموم فقط ليوهمك انه يعيش افضل لحظات السعادة؟! ألا تراه يركب سيارة صديق صديقه الفارهة ليلتقط صورة خلف المقود كأنه المالك الحقيقي ؟ ألا تراها تضع فستان صديقتها الغالي الثمن او في غرفة تجريب الملابس في احد المحلات لتلتقط الصورة و توهمك كأنها تخرج للتو من حفلة كانت هي نجمتها ؟

لاداعي لأن اطيل فانتم تعرفون ما هو أبشع و أفضع لكن الناس لا تنتبه لنفسها كم هي واقعة وموحلة في التزييف و الخداع و الكذب على النفس ! هؤلاء يا سادة من وقعوا في الشَّرَك ولم ينجُ إلا القليل ! فجاءت ظاهرة السلفي Selfi او “الصورة الذاتية” أو “الصورة الملتقطة ذاتيا” التي تُسَوَّق اليوم على انها “ثقافة” لتزيد الطين بلة، فحتى ترجمتها متربطة بالأنا واقصاء الاخر والتعال فتفوح منها رائحة الانانية و تكريس مفهوم الانغلاق و حب الذات ، حتى التواصل الذي كان قديما بين الناس في الشارع حيث يستلطف بعضنا بعضا لإلتقاط صورة ، اختفى فاصبحت تستطيع ان تصور نفسك بنفسك و عدد ما تشاء من المرات فالعرض لم يعد محدودا ..

الباب مفتوح الان على مصراعيه لتغذي انانيتك و وتتباهى بجمالك او قوتك او ثراءك او او او امام العدسة الصغيرة بكبسة زر تفعلها بنفسك دون ان تضطر لطلب ذلك من احد المارّة ! لا إحراج بعد الان اطلق العنان .. دع نفسك تطفو على السطح و تاخذ العنان ، لا تَخْشَ حكم الناس عليك فالامر اصبح معمما و كل الناس تفعله و لديك تبريرات !! أنت الآن صاحب ثقافة يروج لها الاعلام اسمها “السيلفي” فترى اشخاص لا يهمهم لا جمال المنظر ولا امتداد البحر ولا اي شيء سوى انفسهم ووجههم يصورونه هو فقط كما يريدون ان يقولوا لكم نحن هم الاجمل والاهم في هذا الكون فلا يهم ان نلتقط صور لجميع المنظر فقط يكفي وجهي. يا إخواني إننا نعيش عصر الانانية ..و لم يعد المجال يحتمل مزيدا من المجاملات لذلك سأخاطبك مباشرة : هل أنت منهم أم لديك تبرير آخر ؟؟

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق