سلايدر الرئيسيةسياسة

“ثقافة سياسية”.. ما هي الجماعات الترابية؟

مع اقتراب موعد انتخابات مجالس الجماعات الترابية، وأمام العزوف الواضح لشريحة كبيرة من المواطنين عن أداء واجبهم وحقهم الدستوري المتجلي في التصويت، الناتج عن دواعي وأسباب متعددة أبرزها عدم فهم واستيعاب معنى هذه المجالس، أدوارها والجدوى منها، ارتأينا من موقعنا أن نساهم في جلاء هذا اللبس ببيان الأمور على قدر المستطاع.

نوضح في البداية أن الجماعات الترابية هي وحدات معنوية اعتبارية (كيانات موضوعية غير ملموسة) أحدثت من أجل تشكيل مجموعة من الأشخاص “تفوض إليهم الدولة” صلاحيات في تدبير قطاعات يعتبر فيها عامل القرب من المواطن ومعرفة حاجاته وأولوياته أمورا أساسية، وقد أحاطتها بمجموعة من الآليات الرقابية حتى لا يخرجوا عن المنفعة والمصلحة العامة، لأنه في الأصل تعتبر الدولة هي حامية الحريات والحقوق.

والجماعات الترابية بنص الفصل 135 من الدستور ثلاث أنواع الجهات، العمالات والأقاليم والجماعات، يتم انتخاب مجالسهم ليشكلوا مجالس مكونة من مجموعة أشخاص يتولون تمثيل الساكنة المحلية التي تمثلها تلك الجماعة الترابية.

فالجماعات الترابية إذن هي عبارة عن ثلاث أنواع من المجالس التداولية، يتم تشكيلها بعد الانتخابات وتتضمن المكتب التنفيذي، اللجان والمعارضة، لكن ما الذي يميزها عن بعضها؟ ولماذا هناك ثلاث أنواع؟ وما اختصاصات كل واحدة منهن؟

يتجلى اختلاف مستويات الجماعات الترابية في أكثر من زاوية، وهو ما يجسد الحاجة والجدوى من تواجدهن، فمن زاوية أولى نجد عنصر المساحة الجغرافية التي تغطيها كل جماعة ترابية، ومن ثانية هناك أسلوب الانتخاب الذي تتشكل به هذه المجالس، ومن زاوية ثالثة وأخيرة يبرز اختلاف وتباين اختصاصات ومهام كل جماعة ترابية.

ولفهم ذلك أكثر دعونا نفصل في كل زاوية على حدة، ولنبدأ بالعنصر الجغرافي؛ تعتبر الجماعات أصغر وحدة ترابية، ويضم المغرب 1503 جماعة، وقد كانت تقسم إلى جماعات حضرية وقروية إلا أن الدستور ارتأى توحيدها دون أي تمييز بينها. وتتميز الجماعات الكبيرة في الحجم بنظام خاص، يسمى نظام المقاطعات، فمثلا تضم مدينة طنجة ذات تعداد سكاني كبير أربع مقاطعات، وهن مقاطعات طنجة المدينة، مغوغة، السواني، وبني مكادة.

وبشأن العمالات والأقاليم فهي عبارة عن مجموعة من الجماعات، ويمكن القول إن اختلاف هذه التسمية يرجع فقط للتمييز بين الطابع الحضري أو القروي الغالب على الإقليم، حيث يطلق عليه عمالة إذا ضم في أغلبه مراكز حضرية إضافة إلى اعتباره مركزا للجهة.

وبخصوص الجهة، فهي الأكبر مساحة وتضم بالضرورة عددا من العمالات والأقاليم، والمغرب يتشكل من 12 جهة منذ تعديل 2015.

وفي المجمل، وابتغاء الفهم والتوضيح يمكن القول إن مجموعة من الجماعات تشكل عمالة أو إقليما، ومجموعة من العمالات والأقاليم تشكل جهة، والمغرب عبارة عن 12 جهة في الوقت الحالي.

وكزاوية ثانية في تسليط الضوء على الجماعات الترابية، يمكننا مناقشة أسلوب الاقتراع وهو يعني الطريقة التي يتم باتباعها تشكيل المجلس، ونميز هنا بين نوعين؛ الأول يكون فيه عموم المواطنين مدعوون للمشاركة في الانتخابات لاختيار المترشح الذي يريدونه، وهو ما يعرف بالاقتراع العام المباشر، وهو الأسلوب المتبع في انتخاب مجالس الجماعات والجهات.

أما الأسلوب الثاني فيطلق عليه الاقتراع غير المباشر، وهو أساس انتخابات مجالس العمالات والأقاليم ويتميز بكون الأشخاص المعنيون بالتصويت في انتخاباتها هم ليسوا من عموم المواطنين، بل يتشكلون من هيئة ناخبة منبثقة من الانتخابات الجماعية، وتتألف من أعضاء المجالس الجماعية التابعة للعمالة أو الإقليم المعني.

ومن زاوية الاختصاصات والصلاحيات كثالث وأهم محدد لفهم الجماعات الترابية، فبشكل عام ودون الخوض في التفاصيل، تضطلع الجماعات بخدمات القرب من قبيل توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء، النقل الحضري، الإنارة العمومية، التشوير الطرقي، الأسواق الجماعية… كما يختص رئيسها بإصدار رخص البناء واتخاذ تدابير الشرطة الإدارية في مجالات الصحة والنظافة والسكينة العامة.

أما اختصاصات العمالات والأقاليم فيمكن إجمالها في النقل المدرسي في المجال القروي، إنجاز وصيانة المسالك القروية، إضافة إلى وضع وتنفيذ برامج للحد من الفقر والهشاشة.

في حين تناط بالجهات باعتبارها وحدات ترابية كبرى حيث اعتبرها الدستور قاطرة للتنمية، (تناط بها) صلاحيات جسيمة تهم النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة للتراب الجهوي، إذ تشمل اختصاصاتها ميادين التنمية الاقتصادية بما فيها من دعم للمقاولات، جذب الاستثمار، إنعاش الاقتصاد الاجتماعي والمنتجات الجهوية… كذلك تنهض بقطاعات التكوين المهني والتكوين المستمر والشغل، إلى جانب ميادين التنمية القروية والنقل والتعاون الدولي…

تبدو إذن سمات الاختلاف بين الجماعات الترابية واضحة المعالم بناء على المحددات السابقة الذكر، غير أنه وللأمانة لا يمكن إنكار مسألة تشابه وتداخل بعض الصلاحيات والاختصاصات بين الجماعات الترابية، هذا ناهيك عن التنازع والازدواج الذي يحصل بين الجماعات الترابية والقطاعات الوزارية الأخرى المتدخلة ترابيا.

وإذا كان الهدف من كتابة هذا المقال هو توضيح الصلاحيات والاختصاصات التي تتكفل بها كل جماعة ترابية، حتى يعرف المواطن المقبل على الانتخابات أوجه تدخل الفاعلين السياسيين ومجالات عملهم، في أفق التشجيع على الانتخابات والممارسة السياسية، فإن الواقع لا يسمح بإنكار حقيقة عدم وضوح حمولات ومضامين بعض الاختصاصات، الشيء الذي يجعل تحقيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة مجرد أمل وأفق يصعب تحقيقه في ظل الوضع الحالي.

أمل عكاشة.. باحثة في سلك الذكتوراه

الوسوم

اترك تعليقاً

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق