سياسة

النهري: تقاعد البرلمانيين استفزاز للمواطنين.. والنخبة السياسية مدعوة لوقف هذا الريع

أكد حميد النهري، الأستاذ الجامعي بكلية الحقوق بطنجة، أن تقاعد البرلمانيين يعد استفزازا واضحا للمواطنين، حيث يساهم في الاحتقان الإجتماعي، مشددا إلى أن القضاء عليه يعتبر إجراء له قيمة رمزية كبيرة.

وأضاف النهري في مقال توصل “شمالي” بنسخة منه، أن المعاشات التي يتقاضاها البرلمانيون السابقون قبل وصولهم سن التقاعد تعتبر إحدى تمظهرات الريع السياسي، والتي تنتشر بمجتمعنا وكان قد قدمها الملك الراحل الحسن الثاني في ظرفية سياسية معينة.

نص المقال كاملا:

شهد المغرب في الأشهر الماضية موجات من الاحتجاجات الاجتماعية ولا سيما في المناطق المهمشة والفقيرة وقد خلص أغلب المحللين إلى أن هذه الاحتجاجات أغلبها غير مؤطرة بل جاءت في إطار مطالب شكوى سكان هذه المناطق من التهميش والفقر وقصور في البنى التحتية محملين المسؤولية للسلطات .
لكن خلال هذا الأسبوع عبرت إحدى التنظيمات عن سعيها إلى اللجوء إلى خيار الاحتجاج بشكل منظم ونشرت العديد من القصاصات الإخبارية ذلك نسرد بعضها على المواطن المغربي بدون تسمية المنظمة المعنية وذلك من أجل استنتاج مستوى السخرية والرداءة التي وصلت إليها بعض المفاهيم وبعض الممارسات في بلادنا :

1- هناك … من سيدعون إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر البرلمان، من أجل إيجاد “حل” واقعي وقانوني لقضيتهم، وستعد الوقفة سابقة من نوعها في تاريخ البلاد.

2- وقد رفض العديد من … طريقة معالجة البرلمان لقضيتهم و على هامش لقاء، نظمه … بمقر جهة الرباط، يوم السبت 10-03-2018.

3- وأضاف أحد أعضاء … أنهم غير راضون على طريقة تعامل الحكومة معهم، خاصة أن منهم من فقد الشغل ولم يعد له مصدر مالي للعيش، مبرزة في ذات الوقت أنهم دعوا إلى إحداث آلية لإنصاف هذه الفئة.

4- من جهته صرح عضو آخر أنه تم حرمان بعض من …بدون سابق إنذار، مؤكدا أنهم متشبثون ب”عدم رجعية القوانين”، وبأنهم لن يقبلوا أن تتحمل هذه الفئة ضريبة الإصلاح وعلى حسابهم خاصة أن منهم من لا يتوفر على شغل.
5- كما قرر المحامي والأستاذ الجامعي والبرلماني السابق تجميع ملفات ورفع دعوى أمام القضاء الإداري ضد رئيس مجلس النواب … .
6- وقررت «تنسيقية …» التي يقودها عدد من المناضلين من بعض الأحزاب السياسية المغربية توكيل المحامي المذكور في موضوع دعوى قضائية لإرغام السلطات على الاستجابة لمطالبهم.

يتبين من خلال قراءة أولية لهذه القصاصات أن الأمر يتعلق بإحدى المناطق التي تعرف الاحتجاجات إما جرادة آو الريف، لكن سيصدم القارئ عندما يعلم أن الأمر يتعلق بالسادة والسيدات البرلمانيين والبرلمانيات السابقين وأن الاجتماع الذي عقد هو اجتماع المجلس المغربي للبرلمانيات والبرلمانيين السابقين، وأن التنسيقية التي كلفت المحامي برفع دعوى ضد رئيس مجلس النواب هي تنسيقية النواب البرلمانيين السابقين مهددين بتنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر مجلس النواب احتجاجا على عدم صرف معاشاتهم التي توقفت منذ 01 أكتوبر 2017 بعد إفلاس صندوق التقاعد المكلف بصرف معاشات البرلمانيين السابقين.
لكن المفارقة الغريبة وعلى عكس مختلف الحركات الاحتجاجية التي نظمت أمام البرلمان فإن تهديدهم سرعان ما تم التجاوب معه حيث وعدهم رئيس المجلس بحل الموضوع بالاتفاق بين مجلس النواب وصندوق الإيداع والتدبير ووزارة المالية.
إنها ثقافة الريع التي أصبحت تنخر مجتمعنا وتسيطر على عقول المستفيدين بل أكثر من ذلك من يستفيد من هذا الريع على استعداد للقيام بشتى أنواع الاحتجاج لضمان استمرارية هذه الاستفادة .
فهذه المعاشات التي يتقاضاها البرلمانيون السابقون قبل وصولهم سن التقاعد تعتبر إحدى تمظهرات الريع السياسي والتي تنتشر بمجتمعنا وكان قد قدمها الملك الراحل الحسن الثاني في ظرفية سياسية معينة ومنطقيا لا تعتبر ولا يمكن اعتبارها تقاعدا.
بل أكثر من ذلك فهؤلاء البرلمانيون والبرلمانيات السابقون أصبحوا يبدعون في تقديم التبريرات الواهية لتصرفهم هذا والذي لم يعد مقبولا نهائيا في ظل الأوضاع الحالية ولا يجد سندا لا قانونيا ولا أخلاقيا ولا سياسيا .
فمن بين التبريرات المقدمة أن أغلبهم فقد الشغل ولم يعد له مصدر مالي للعيش متناسين أن عدد كبير من المغاربة خصوصا الشباب منهم لا يتوفرون على شغل، وإن أتيحت لهم فرصة شغل تكون بمقابل زهيد وبمجهود كبيركما أن هؤلاء البرلمانيين السابقين يعتبرون هذا الريع السياسي والذي لا يحتاج إلى مجهود هو حق مكتسب وكأنهم مواطنين من نوع خاص لم يخلقوا للشغل .
نفس الفكرة يقدمونها في تبرير آخر بحيث يعتبرون أن من واجب الدولة أن تضمن للبرلماني مستوى معيشي عال ومتميز وكأنهم مواطنين من درجة أخرى ويستحقون ذلك متناسين أيضا أن دستور2011 ينص في مقدمته على ( إرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم ).
كما يشددون على أنهم لن يقبلوا أن يتحملوا ضريبة الإصلاح وعلى حسابهم معتبرين أن المسألة تتعلق بحق مكتسب لا يمكن التنازل عنه، وكان بهم يقولون أن المواطنين من درجة دنيا غيرهم هم من يجب أن يتحمل ضريبة الإصلاحات التي يعرفها المغرب.
إن المنطق اليوم يتطلب إرادة سياسية قوية تعمل على وقف هذه الظاهرة المهزلة لأن تأثيرها ليس ماليا، فهذه المعاشات لا تؤثر على ميزانية الدولة ولكن تأثيرها أخطر فهي مبدئيا تؤثر سلبا على التضامن الاجتماعي وعلى روح المواطنة فمثل هذا السلوك في حد ذاته يعتبر استفزازا للمواطن وقد يؤدي إلى تأجيج الاحتقان الاجتماعي،
فالقضاء على هذا الريع السياسي يعتبر اليوم إجراء ذا قيمة رمزية كبيرة ونتائجه الايجابية متعددة سياسيا اجتماعيا وغيرها، والأهم هو إلزام النخبة السياسية بالمغرب بأن تبدأ بنفسها في دعم الإصلاحات والتعبير عن خدمة الوطن.

الوسوم

مقالات ذات صلة

لا يمكنك نسخ هذا المحتوى

إغلاق